الأحد، 6 ديسمبر 2015

فقه المسجد ((الصلاة))

فقه المسجد((الصلاة))



المسجد وقف بالمعنى الفقهيّ للكلمة، وللوقف أحكام وللمسجديّ منه أحكامٌ خاصّة، فما هي هذه الأحكام؟
وفي المساجد تُقام الجماعات أيضاً، فما هي أحكام الجماعات؟
وفي الجماعات إمام، فما هو واجبنا تجاه الإمام؟
كلّ ذلك وغيرها من الأسئلة سنُجيب عنها في هذا الفصل، سائلين الله تعالى أن يجعلنا ممّن يؤدّون حقّ المساجد، ويُراعون أحكامها، إنّه خير موفِّق ومعين.

المسجد وملحقاته
كيف يتحقّق الوقف المسجديّ؟

الوقف هو جعل مُلكٍ ـ كالأرض ـ منحصرة المنفعة على أمر معيّن، كما لو قال أحد وقفت أرضي لبناء حسينيّة أو مسجد، وفي خصوص مسألتنا أي الوقف المسجديّ هو أن يَحبِس1 الإنسان أرضاً ما أو يقف أرضاً ويبني فيها مسجداً بنيّة أنّه يوقفها في سبيل الله تعالى، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة، وفيه فضل كثير وثواب جزيل، ففي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سنّها فهي يُعمل بها بعد موته، وولدٌ صالح يدعو له "وبمضمونه روايات"2.

ولو أراد الإنسان أن يوقف أرضاً ومسجداً فعليه أن يُوضّح في قصده ذلك، كأن يقول: وقفت الأرض (ويُحدّدها) والبناء (المعيّن) وقفتها مسجداً، ولا يصحّ أن يوقفها بدون عنوان المسجد، كما لو قال: وقفت المكان الفلانيّ لكي يُصلّي فيه الناس، ففي هذه الحالة يصحّ الوقف ولكن لا يثبت على المكان الّذي وقفه أحكام المسجد3.

فقه المسجد
عامّاً لا بدّ من القبض والتسليم، وفي حالتنا، أي وقف المسجد، يتحقّق القبض بالصلاة في المسجد ولو لمرّة واحدة، ويُشترط إذن الواقف للصلاة في المرّة الأولى، وبعنوان التسليم  القبض4 .

ما هي أحكام المسجد؟
سنُقسّم الحديث في أحكام المسجد إلى أقسام لكي يسهل الوصول إلى كلّ ما يتعلّق بأحكامه.


1- طهارة المسجد 
يجب أن نُحافظ على المساجد طاهرة من كلّ النجاسات، لأنّها أماكن خُصّصت للعبادة ولا تليق النجاسة بالأماكن المقدّسة والمحترمة، ولهذا فإنّه لا يجوز تنجيس المساجد، وليس المقصود فقط أرض المساجد بل حتّى حيطانها أو سقفها.

وفي حالة التنجّس الّتي تحصل تجب المبادرة إلى تطهيرها فوراً وبدون أيّ تأخير. إلّا إذا لم يتمكّن الشخص الّذي سيتولّى هذه المهمّة بمفرده من المبادرة إلى تطهيره.أمّا لو رأى نجاسة في المسجد وقد حضر وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها5.

ولو اضطرّ الأمر إلى صرف مالٍ في تطهير المسجد وجب ذلك، ولو احتاج تطهيره في حالات خاصّة لتخريب أرضه مثلاً ولم يتمكّن من التطهير بغير هذه الطريقة وجب التطهير وجاز تخريب الأرض بهذا المقدار، ولكن يتحمّل من نجّس المسجد حينئذٍ كلفة الإصلاح الماليّة6.
وتلحق المسجد في هذه الأحكام كلّها.. فرشُ المسجد والسجّاد والحُصر الّتي فيه على الأحوط وجوباً.7

2- طهارة زوّار المسجد
وينبغي للداخل إلى المسجد أن يكون على طهارة من الحدث الأكبر على التفصيل التالي: 

فإنّه يحرم دخول المسجد الحرام في مكّة المكرّمة ومسجد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنوّرة من الجُنُبِ والحائض ولو كان ذلك بنحو المرور.
أمّا المساجد الأخرى فحكمها أيضاً كحكم المسجد الحرام ومسجد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في حرمة دخول الجُنُب والحائض إليها، ولكن لو كان في المسجد بابان، فإنّه يجوز المرور من خلالها في داخل المسجد أي من الباب إلى الباب.

وينبغي الانتباه إلى أنّه لا يجوز وضع أيّ شيء في المسجد حال عبور المجنب والحائض فيه، أو حتّى من الخارج، كأن يرمي المجنب أغراضه من الشبّاك الخارجيّ للمسجد إلى داخل المسجد8.

3- مراعاة حرمة المسجد
وذلك بتجنّب القيام فيه بالأمور المحرّمة كالغيبة أو الغناء وأيّ تصرّف آخر يُعتبر منافياً لحرمة المسجد
9 ، وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على الأمور التالية: 
التفات أصحاب الهواتف الّتي يستخدمون فيها نغمات غنائيّة إلى أنّ للمسجد حُرمة ولأهل المسجد أيضاً حُرمة.
الأفضل جعل الهواتف في المساجد مغلقة أو صامتة؛ حتّى لا يشوّش على عبادته أو عبادة غيره.
ترك اللعب في المساجد والمزاح الّذي يتنافى مع روحيّة العبادة فيه.
التفرُّغ في المسجد للعبادة وطلب العلم، وعدم الانشغال بالأحاديث الدنيويّة الجانبيّة خاصّة أثناء إقامة صلاة الجماعة.

4- تزيين المسجد بالذهب 
إنّ الصلاة والتلاوة وأيّ عبادة يُمكن أن يقوم بها الإنسان في أيّ بقعة كانت، ولو في صحراء قاحلة، تماماً كما يقوم بها في أيّ مسجد، إلّا أنَّ فضل القيام بها في المسجد على ما مرَّ وسيمرّ لاحقاً أفضل وأكثر ثواباً، ولا بدّ في العبادة من إفراغ القلب من شوائب التعلّق والتفكير بأمور الدنيا وشؤونها، لذلك يحرم تزيين المساجد بالذهب إذا عُدَّ إسرافاً وفي غير ذلك هو مكروه 10، ويحسن في المساجد الابتعاد عن كلّ ما يشعر المرء بالحالة الدنيويّة والانشداد إليها، وترك التركيز، والتشتّت والبعد عن ذكر الله تعالى، لأنَّ المسجد دار الذاكرين المتفكّرين لا الغارقين في تأمّل زخارف الدنيا وزينتها. وللأسف كم صار هذا الأمر شائعاً في أيّامنا، وقد ورد التّحذير منه عن لسان أهل البيت عليهم السلام، فقد ورد عن حمران بن أعين أحد حواريّي الإمام الصادق عليه السلام أنّه نقل عنه عليه السلام: "ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا، فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خَلِقَ وأُحدِث فيه ما ليس فيه (إلى أن قال) ورأيت المساجد قد زُخرِفت... ورأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقّ.. فكُن على حذر..!!"11.

5- الحفاظ على أغراض المسجد
ينبغي الحفاظ على أغراض المسجد وكلّ ما يتعلّق به من فرش وسجّاد وحُصر وأيّ مقتنيات أخرى موقوفة فيه، ولهذه الأغراض أحكام منها: 

لو كان السجّاد الّذي في المسجد يُمكن الانتفاع فيه في أوقات معيّنة من السنة كالشتاء مثلاً فينبغي المحافظة عليه ولا يجوز بيعه.
لو لم يحتج إليها في الافتراش مثلاً وأمكن أن يُستفاد منها في شيءٍ آخر كما لو أمكنت خياطتها كمظلّات أو برادي فيحرم أيضاً بيعها.
لو انعدمت الاستفادة منها في كلّ الأحوال والأوقات، وكان إبقاؤها في المسجد سيؤدّي إلى تلفها، واحتاج لها مسجد آخر تُعطى للمسجد الآخر ولا تُباع.

أمّا لو لم يحتج لها مسجد آخر، وانعدمت الفائدة منها في المساجد وضعت في المصالح العامّة.
وإذا استغنت عنها المصالح العامّة، ولم يُمكن الاستفادة منها بأيّ حال بيعت وصُرف ثمنها في المسجد الّذي أُخذت منه إذا احتاج إلى ما يُصرف فيه، وإلّا في مسجد آخر، وإن لم يحتج أيّ مسجد لهذا المال صُرف في المصالح العامّة12.

6- أين مكانك في المسجد؟
المساجد من الأماكن العامّة الّتي يقصدها جميع الناس، فمن سبق إلى مكان في المسجد لأجل الصلاة أو سائر الأعمال الّتي جرت العادة على القيام بها في المسجد كقراءة القرآن أو الوعظ والإرشاد لم يجز للآخرين مزاحمته أو إزعاجه13.

فالحقّ في المكان داخل المسجد يُحفظ بوضع ما كان متعارفاً لحجز المكان كفرش سجّادة الصلاة أو وضع شيء من ثيابه وأغراضه، ولا يكفي وضع التربة أو السواك أو المسبحة.ولو فرضنا أنّ شخصاً وضع ما يدّل على حجزه للمكان وذهب لقضاء أمرٍ ما وأصبح الفاصل طويلاً، لم يعد الاجتناب عن ذلك المكان لازماً بل جاز لغيره استخدام المكان.

ولو أنَّ آخرَ اشتغل بالصلاة في المكان المحجوز مسبقاً من قِبَل آخر فالاحتياط الوجوبي يقضي بإعادة الصلاة في مكان آخر14.
ولو فرضنا أنّ أحداً حجز المكان لتلاوة القرآن أو الدعاء ثمّ حضرت جماعة للصلاة جماعة في المسجد فالأولى له تخلية المكان لمن يطلب منه إفساح المجال للالتحاق بالجماعة إذا وجد مكان آخر له، ولا يكون منّاعاً للخير عن أخيه15.

صلاة النساء في المسجد
إنّ الأجر الجزيل الّذي وعد به الله تعالى من يقصد المسجد ويُصلّي فيه، ليس مختصّاً بالرجال فقط، "بل إنّ فضيلة الصلاة في المسجد ليست مختصّة بالرجال"16 ، فما يحصل من أجر للرجل يحصل للمرأة أيضاً في مشاركتها في الصلاة، وكذلك الأمر في صلاة الجماعة "إذ لا إشكال في مشاركتهنّ إذا أردن ذلك، ويترتّب عليها ثواب الجماعة"17.

الأذان في المسجد
إنّ الأذان بالصلاة في مجتمعات المسلمين سمة بارزة، وله وقع خاصّ في قلوب المؤمنين، كما أنّ "الأذان الإعلاميّ للصلاة في أوّل أوقات الفرائض اليوميّة، وترديده من قِبَل السامعين، ورفع الصوت به عند قراءته من المستحبّات الشرعيَّة الأكيدة"18.

وفي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي، قال: "ومن أذّن محتسباً يُريد بذلك وجه الله عزّ وجلّ أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد وأربعين ألف صدِّيق"19.

بل خصّ الإمام زين العابدين عليه السلام المؤذّن بحقّ في رسالة الحقوق، قال عليه السلام: "وأمّا حقّ المؤذّن أن تعلم أنّه مذكّر لك ربّك عزّ وجلّ، وداعٍ لك إلى حظّك، وعونك على قضاء فرض الله عزّ وجلّ عليك، فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك"20.

رفع الأذان في بعض المساجد بالنّحو المتعارف للإعلان عن دخول وقت فريضة الصّبح بواسطة مكبّر الصَّوت لا بأس به، ولكنّ إذاعة الآيات القرآنيّة والدعاء وغيرهما في أيّ وقت بواسطة مكبّر الصّوت في المسجد إذا كان يُسبّب أذيّة للجيران لا مبرّر له شرعاً، بل فيه إشكال21.

خاتمة
بعد هذا العرض المختصر لبعض الجوانب الفقهيّة المتعلّقة بالمسجد يجب علينا أن نهتمّ أكثر بمراعاة الأحكام الشرعيّة، ونعمل على تطبيقها لصون بيوت الله وحفظها واظهارها بشكل يليق بها كمركز للعبادة ولذكر الله عزّ وجلّ، والتوجّه إليه سبحانه كما أراد هو أن نكون.
*فقه المسجد ، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1- يقول جعلتها وقفاً، أو حبستها، أو سبّلتها، أو صدقتها صدقة مؤبّدة لا تباع ولا توهب، انظر: الإمام الخمينيّ قدس سره، تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، دار الكتب العلمية، ط. إسماعيليّان، قم، ج 2 ص 62.
2- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 2 ص 62.
3- انظر: م.ن. ج 2، ص 62 و63.
4- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 2، ص 64 و65.
5- م.ن.ج 1، ص 98.
6-تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج1، ص120.
7- م.ن. ج 1، ص 120.
8- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 1، ص 38.
9- أجوبة الاستفتاءات، السيّد علي الخامنئيّ دام ظله، دار النبأ للنشر، الطبعة الأولى، ج 1، ص 121.
10- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 1، ص 133.
11- الكافي، الكليني، ج8، ص40.
12- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 2، ص 79.
13- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 2، ص 215.
14- م.ن. ج 2، ص 215.
15- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 2، ص 214.
16- أجوبة الاستفتاءات،السيّد الخامنئيّ}، ج 1، ص 119، باب أحكام المسجد.
17- م.ن. ج 1، ص 176، باب مشاركة النساء في صلاة الجماعة.
18-م.ن. ج 1، ص 137، باب الأذان والإقامة.
19- مستدرك سفينة البحار، النمازيّ الشاهروديّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ج 1، ص91.
20-وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 15، ص 176.
21-نظر في تفصيل هذا الأمر: أجوبة الاستفتاءات، السيّد علي الخامنئيّ }، ج 1، ص 138.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق